رسالة من امرأة للشاعر الدكتور داود فلنة

أتعلم ....!
حين تحطّ على وجنتي
أو على شفتي
وأنا أستجمع الأفكار
أو حين تغوص بين خصلات شعري
فتلامس رأسي
فإنك تعلم ماذا يدور ...؟
فأنا .. إلى أفكاري ..
قد سمحت لك بالمرور
اذن يا قلمي ...

2

إنّي كحبّات رمل في صحراء
في يوم عاصف نثروها ....
ثم صاحوا لكل عقلاء الأرض
أنْ إجمعوها ...!
وتحدّثني نفسي
وتكشف عورتي امام مرآتي
إنها صوت قطرات دماء حمراء
تقرع الأرض في دهشة ....
الصوت السرمدي الأبدي ..
إنها الرنّة الخاصة
عندما يتجاوز الاحساس
حدود الكلمات ويصبح ألما ...
ويصبح الحبر دماً ...
ورغم آلامها وويلاتها وأنينها
ونبضها الحزين ...
وجرحها الغائر ....
تتحطم عليها كل المآسي
وتشدو باجمل الأغاني
عندما أبدأ بالكتابة
أجد نفسي وأجد ذاتي
أجدها تنطق بالحروف المقهورة
التي تأبى أن تتوراى بين السطور
أجد أدمعي تنساب على ورقتي تبللها
فتبقى حروفي هي ذاتي الخجول

3

كنت اكتب يوما ذات تيه
لاكون حبيبة أحدهم
ولأمشّط شعره بمشط من شبق
وأكحّل عينيه بجنون يشتهيه
وأتخيّل أنفاسه عالقه بين ثغري
وأطراف صدري ....
مللت الخجل
وقبح الكلمات والجمل
وسحابات العرف الحبلى
بعهر الوجل ...
ومن ألم الألم
أحاول أن ألملم ذاتي
ومن بقايا أشلائي وذكرياتي
وتخيّلت أنني احبّه بكل طيشي
أصل كل أطرافه
ولا أخشى خدش كبريائي
عبرت كل الحدود
هكذا دوما لم اضع حدا لمحبتي
ولا ترددّت يوما بهواه
قد تألّمتْ منّي مقلتي ...
وانا اذكره ليلا ونهارا
سرا وجهرا
وكتبت عنه
نثرا وشعرا
وأحتسيته من كأسي
نبيذا وخمرا ...
بذرت جسدي ...
على يديه يتحوّل الى زهر
وهذا الوجه المصّفر الى بدر

4
مفرداتي لا تشبه المفردات
وكلماتي لا تطالها كلمات
فأبجديتها تبحث عن الذات
كم صعبة هي بالذات ...!
تستدعي وجود العرّافين
وقارئيي الفنجان
والسحرة اذا كان في الأمكان
ولن يعرفوا لذاتي عنوان ..
سأدفن الحزن لأبني أشرعة الفرح
لن تكسرني نزق الأكاذيب
أهوى العبث واللهو ...
والجنون بكل أشكاله
مازلت أنتظر من يقتل صمتي
ليُخْرِج تلك المجنونة تلك العبثية
من داخلي
حقا إنها فلسفة غبية ...
إني على حافة الجنون
واسائل نفسي
لماذا هذا التصّحر
وعلى شفتيه فاضت أنهاري
تخيّلت حوارا صامتا بيننا
إلا من نظرات تتلوها دمعات
تعبث أناملي الصغيرة
في خصلات شعره ..
تغوص يدي في ضخامة يده ...
ولكنه لم يأتِ
وكنت دوما خائفة
وكنت أظن أن السماء
لن تشتّيه

5

أستنطّق الكلمات لوصف الأوضاع ...
لا اجتماع لا وداعْ
وعلى ثنايا الذكريات
تهاجر السفن بلا شراع ..!
لن اقول شعرا للعصافير
فكلها على شبّاك غرفتي تموت ...
واعود اسائل نفسي
كيف أسمّي ذلك أقدارا ....!
وأنا الذي حفرت للحبِّ آبارا
وأنا الذي عمت عكس التيار
وأنا الذي على شواطئه أوقفت التتار
وأنا الذي زرعت بين الحرف والحرف
حديقة أزهار ....
وأتى صيفي مبكرا في آذار ...!
يحمل برقا
يحمل رعدا
يحمل أعصارا
يحمل أمطارْ ....!
وابحث عن الوفاء ولو كان شاقاً ..
وأتمسك بخيوط الشمس
حتى ولو كانت بعيده ..

6
شكرا لك فقد اعدّت اليّ مراهقتي
بقوتها
وجنونها المتمرد
وطيشها الجميل
وخيالها الخصب
واعدّتني اليها
بعد ان قضيت عمري كله على وهم
انني ولدت امرأة ناضجة
وانني لم اكن يوما طفلة صغيره ...
أرسم اليك حروفي
من فمي الصغير
تبقى هناك أشياء لا نملك لها نهاية ،،
انها تلك الأشياء التي تعلن صرخة الدموع
مع اللفظة الاخيرة لانفاس الحكاية ،،
وبعد الفراق يهزمنا الحنين
فنمارسه مرغمين ،،
نًحِنُ إلى أحاديث تقاسمها ذات يوم
قلب مع قلب والحلم ثالثهما،،
نًحِنُ إلى أحلام نسجها ذات يوم
خيال مع خيال ،،
والأمل ثالثهما
نًحِنُ إلى إنسان ،،
إلى وجه
إلى نبض ،،

7
فنحن نراها نتذكــر ...
وحين نتذكر نتــألم ...
وحين نتألم نبـــكي ...
فهي تذكّرنا دائماً بأن هناك من رحل عنا ...
النصف الآخر الذي كان موجوداً
وتغسل الدموع ما تراكم في أعماقنا
من صدأ الأيام ...
وبها نطهّر جرحاً حُفِرَ بسيف الفراق ...
وبها نهزم الحنين ...
وبها نخفف من وطأة الذكرى
وبها ... وبها ... وبها ...
نداوي بعض الجروح ....
بين تعدد الصّور
وخطوط القلم
وتزاحم الحروف
نوبات صاخبة ....
كيف لأغاني الحبِّ الممتدة في روحي
من أقصى الغياب إلى أقصى القصائد
كيف أضحت شواطئ الأنتظار موجعة
ردّني يا عمري من متاهات الغياب
ردّني كما كنت
أسكن رعشة الأهداب ...
ابتسم حين طاعنت الأسى
بقصيدي
وبكلمات سراب
فأذابت مخاوفي الأسقام
وتواريت في متاهات خوفي
فعرفت الدموع حين توالت
فسقتني بكأسها الأوهام ....
أجد سربا من الاسلاك ...!
طريق طويل من الأشواك
حينما اكون انا هنا
يكون القدر هناك ...!
أنها حقا تميد الأرض من تحت أرجلي
وأقع على ظلي
أحاول بكل جدية أن أعتزل البشر ...
لم يعد قلبي المنهك
قادر ليتحمّل المشاق ..
يتكبد الآلام
سأختار أرضا لم تطأها قدما انسان من قبل ...
يعزّ علي ترك أناسا هم من صلبي
وجزء من كينونتي ...
سيكونون معي بأرواحهم
وبذكرياتهم الجميلة ....
ما أصعب أن ينقسم الجنين عن مشيمته
داخل رحم أمه
يا دقة قلبي الضعيفة ..
ما عدّت احتمل ....
كم بي شوق وخيفة ..
وآلام لا تندمل ....
هل لي من طريقة ..
لقدر لم يكتمل ؟!
صمت مطبق يلفظ جرحاً..
يغتال نبض الحرية فينا..
خناجر تطعنني ليل نهار
وكلما جلست لوحدي ..
اتذكر ..أتذكر ...أنهار ...
وأدور مع الدوران
أفقد توازني ...
أدور أسرع مع اللحظات ...
مع الساعات بكل المدارات
بأي كيان ..
بداخلي إنسان
أصرخ .. أغضب
أسكب الألوان ..
أضع الألوان ... أتزيّن
ماعاد ينفع ..
شيء مني يهرب
يا متفلسفا ...لا تقل ..سحابة ..
خذ قلبي ودمي ...
هل ستغيّر قوانين الكتابة ...؟
على الضفة الأخرى أضعت قطرة ماء ...
كلما مددت يدي لألتقطها
كسَرت يدي الرياح ..
هكذا العمر يمضي
وتبقى أشلاء الذاكرة
يدوسها الفكر
كلمــا هــام في بقــايا صور

8
خلت ذات يوم أن ثوبا أبيض
سيحتويني كالأميرات الهاربات ..
على ظهر فرس أبيض
إلى قصر فيه كل الطيبّات ..
خلت أنني كجميع الفتيات
لي حق في الحب والحياة ..
لم أكن أعلم أن النَفَسَ محسوب عليّ
فكيف ببريء الأحلام ...!
العيب أين يكمن ...
أتراني أمضي إلى العار ...؟
أكفر هي الأحلام ...
أترف هي الكتابة ..؟
كلمات باتت تلاحقني في كل مواجهة
أمام الوريقات البيضاء ...
تكبح ثورة بداخلي فأموت بصمت ...
كانت ملاذي
وخُنِقَتْ آخر الفسحات ...
تلاحقني تعذّبني تحاول هزيمتي ...
بات مصدر إيحائي هو الألم ...
دون أي ابداع ...
عذرا منكم أيها النقّاد أيها القراء ...
أنا لا أكتب لكم أدبا ولا فنا
ولا حتى نشرة أخبار..
فارحموني
تعثّرت أفكاري فغابت فنوني
وبقي لي ما قرأته
بين صفحات الروايات ...
قصصا وحكايات
هي كلماتي أنا
هي كشتلات روحي ..
هي أنا ...
لا تعني غير أنا ...
لا تعني أي ضمير آخر
كفاكم مجاملة واطراء كاذب ...
فقد أرهقتني كثرة الأكذوبات ...
لم أعد أكترث للآراء ..
صفحة بيضاء حرية وأنا ...
لا دخل لطرف رابع بيننا ...
خذوا الحروف الأولى
شكّلوها لأكون أنا
رمز لن يدركه أحد ..
مبتدأ يريد خبر
أيضا خبره هنا ...
لن يدركه أحد ..
نكتب ننزف لنخدع النفس
بأن الورقة حملت جزء ما من أحلامنا
وعند الإنتهاء لا بد لها أن تنام ...
نخدع انفسنا بأيدينا ،،،
أي سخف هذا ...!!
وهل تُخْدَع الجروح ...؟
هل تغفى وتقتنع بسذاجة طفلة مثلي ...؟
للأسف تبقى متيّقظة
تبث سموم العبرات
تمتص الرونق من نبضة الجسد
تذوي الأزهار في طوق الياسمين
ومصعد الرياحين ...
إن داء كدائي لا حل له إلا الداء ...
لا دواء له إلا البلاء ...
طبيب قد لا يشفي
ويبعث بي إلى الأموات ...
أراقصهم كفراشة أمام اللهب
فأفارق الحياة ...
أتمناه أملا حلما ترفا كذبا
عندها فقط ألقى راحتي ...
وينام تحت ذراعيّ ذاك الشقاء ...
سأسهر في عتمتي لوحدي
أغازل طيف حلم أردّده نشيدا
سألقّنه للعصافير في الصباح


د. داود فلنة